فصل: ما وقع من أحداث سنة عشرين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة عشرين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة عشرين وسبعمائة:
ذكر قدوم السلطان إلى مقر ملكه:
استهل السلطان غرة المحرم من هذه السنة في القصب، وهي منزلة عن إيلة على تقدير أربعة مراحل، وسار السلطان منها ونزل بإيلة، وأقام بها ثلاثة أيام ينتظر وصول خيل وخزانة كانت له بالكرك، وبعد وصول ذلك، رحل السلطان وسار حتى دخل قلعة الجبل، بكرة نهار السبت، ثاني عشر المحرم من هذه السنة، الموافق للثالث والعشرين من شباط، وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً ركب جميع الجيش وقبلوا الأرض بين يديه، ولما صار على تقدير أربعة آلاف ذراع من القلعة أخذت الأمراء في بسط الشقق الفاخرة بين يدي فرسه، فبسطوا واستمر البسط إلى أن دخل القلعة المنصورة في أسعد وقت من ضحى يوم السبت المذكور.
ذكر ما أولاني من عميم الصدقات وجزيل التطولات:
سرت من حماة على البريد، ولم يصحبني مركوب لي ولا شيء من أدوات المسافر، فتصدق علي وأنزلني عند القاضي كريم الدين، فكان يبالغ في الإحسان إلي بأنواع الأمور من الملابس والمراكيب والأكل، وكان ينصب لي خادماً مختصاً بي يكفي بجميع ما احتاجه من الفرش للنوم والمأكل والغلمان المختصة بي، وكان مع ذلك لم تنقطع التشاريف على اختلاف أنواعها، لأخلعها على من أختار، وكان السلطان في طول الطريق، في الرواح والعود، يتصيد الغزلان بالصقور، وأنا في صدقاته أتفرج، ويرسل إلي من الغزلان التي يصيدها، وتقدم مرسومه إلي ونحن نسير أنني إذا وصلت إلى ديار مصر أسلطنك، وتتوجه إلى بلدك وأنت سلطان، واستعفيت عن ذلك واستقللته، وتألمت منه استصغاراً لنفسي وتعظيماً لاسمه الشريف أن يشارك فيه، وبقي الأمر في ذلك كالمتردد إلى أن وصل إلى مقر ملكه حسبما ذكرناه، ونزلت أنا عند القاضي كريم الدين بداره داخل باب زريلة، بالقرب إلى بين القصرين، وأقمت هناك، وتقدم مرسوم السلطان بإرسال شعار السلطنة إلي، فحضرت الموالي والأمراء؛ وهم سيف الدين الماس أمير حاجب، وسيف الدين قجليس، والأمير علاء الدين أيدغمش، أمير أخور. والأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي، والأمير سيف الدين طيبال؛ أمير حاجب أيضاً، وحضر من الأمراء الخاصكية تقدير عشرين أميراً، وحضر صحبتهم التشريف الأطلس، الكامل المزركش، والنمجا الشريفة السلطانية والغاشية المنسوجة بالذهب المصري، وعليها القبة والطير وثلاثة سناجق، وعصائب وتقليد يتضمن السلطنة، والجمدارية السلطانية، وسلحدار بسيفين معلقين على كتفه، والشاويشية، وحضر جميع ذلك إلى المدرسة المنصورية بين القصرين، وقدم لي حصان كامل العدة، فركبته بكرة الخميس سابع عشر المحرم الموافق للثامن والعشرين من شباط بالشعار المذكور، ومشت الأمراء إلى أثناء الطريق وركبوا، ولما قاربت قلعة الجبل نزلوا جميعهم، واستمريت حتى وصلت إلى قرب باب القلعة، ونزلت وقبلت الأرض للسلطان إلى جهة القلعة، وقبلت التقليد الشريف، ثم أعدت قبيل الأرض مراراً، ثم طلعت صحبة النائب، وهو المقر السيفي أرغون الدوادار إلى قلعة، وحضرت بين يدي السلطان في ضحوة النهار المذكور، فقبلت الأرض فأولاني من الصدقة ما لا يفعله الوالد مع ولده، وعند ذلك أمرني بالمسير إلى حماة، وقال أيا فلان لك مدة غائب؛ فتوجه إلى بلدك. فقبلت الأرض وودعته، وركبت خيل البريد عند العصر من نهار الخميس المذكور، وشعار السلطنة صحبتي على فرس يد، وسرت حتى قاربت حماة، وخرج من بها من الأمراء والقضاة، وتلقوني، وركبت بالشعار المذكور، ودخلت حماة ضحوة نهار السبت، السادس والعشرين المحرم من هذه السنة الموافق لثامن آذار بعد أن قرئ تقليد السلطنة بنقيرين في خام كان قد نصب هناك، ولولا مخافة التطويل كنا ذكرنا نسخته.
ذكر الإغارة على سيسر وبلادها:
في هذه السنة تقدمت مراسيم السلطان بإغارة العساكر على بلاد سيس، ورسم لمن عينه من العساكر الإسلامية الشامية، فسار من دمشق تقدير ألفي فارس وسار الأمير شهاب الدين قرطاي بعساكر الساحل، وجردت من حماة أمراء الطبلخانات الذين بها، وسارت العساكر المذكورة من حماة في العشر الأول من ربيع الأول من هذه السنة، ووصلوا إلى حلب، ثم خرجت عساكر حلب صحبة المقر العلاى الطنبغا، نائب السلطنة بحلب، وسارت العساكر المذكورة عن آخرهم، ونزلوا بعمق حارم، وأقاموا به مدة، ثم رحلوا ودخلوا إلى بلاد سيس في منتصف ربيع الآخر من هذه السنة، الموافق للرابع والعشرين، من أيار، وساروا حتى وصلوا إلى نهر جيحان، وكان زائداً، فاقتحموه ودخلوا فيه؛ فغرق من العساكر جماعة كثيرة، وكان غالب من غرق من التراكمين الذين من عسكر الساحل، وبعد أن قطعوا جيحان المذكور، ساروا ونازلوا قلعة سيس، وزحفت العساكر عليها حتى بلغوا السور، وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزراعات وساقوا المواشي، وكانت شيئاً كثيراً، وأقاموا ينهبون ويخربون، ثم عادوا وقطعوا جيحان وكان قد انحط فلم ينضر أحد به، ووصلوا إلى بغراس في نهار السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر المذكور، ثم ساروا إلى حلب وأقاموا بها مدة يسيرة، حتى وصل إليهم الدستور فسار كل عسكر إلى بلده.
وفي هذه السنة في أثناء ربيع الأول وصلت الجهة في البحر إلى الديار المصرية، وكان في خدمتها ما يقارب ثلاثة آلاف نفر من رجال ونساء، واحتفل بهم إلى غاية ما يكون، وأدرت عليهم الإنعامات والصلات.
ذكر قطع أخبار آل عيسى وطردهم عن الشام:
في هذه السنة تقدمت مراسم السلطان بقطع أخبار المذكورين؛ وطردهم بسبب سوء صنيعهم، فقطعت أخبارهم، ورحلوا عن بلاد سلمية في يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى من هذه السنة، الموافق لعاشر حزيران، وساروا إلى جهات عانة والحديثة على شاطئ الفرات.
وفيها عند رحيل المذكورين، وصل الأمير سيف الدين قجليس، وسار بجمع عظيم من العساكر الشامية والعرب في إثر المذكورين، حتى وصل إلى الرحبة، ثم سار منها حتى وصل إلى عانة، ولما وصل المذكور هناك، هرب آل عيسى إلى وراء الكبيسات، وعيسى المذكور هو أعيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصبة بن فضل بن ربيعة، وأقام السلطان موضع مهنا؛ محمد بن أبي بكر بن علي بن حديثة بن عصبة المذكور، ولما جرى ذلك، عاد الأمير سيف الدين المذكور وأقام بالرحبة حتى نجزت مغلاتها وحملت إلى القلعة، ثم سار منها ونزل على سلمية في يوم الخميس منتصف رجب من السنة المذكورة، الموافق للحادي والعشرين من آب، واستمر مقيماً على سلمية حتى وصل إليه الدستور، فسمار منها إلى الديار المصرية في يوم الاثنين تاسع شهر رمضان من السنة المذكورة، الموافق لثالث عشر تشرين الأول، وأتم سيره حتى وصل إلى مصر.
ذكر هلاك صاحب سيس:
في هذه السنة مات صاحب سيس، أرشين بن ليفون، عقيب الإغارة على بلده، وكان المذكور مريضاً لما دخلت العساكر إلى بلاده، وشاهد حريق بلاده وخراب أماكنه، وقتل رعيته وسوق دوابهم، فتضاعفت أحلامه وهلك في جمادى الأولى من هذه السنة، وخلف ولداً صغيراً دون البلوغ فأقيم مكانه، وتولى تدبير أمره جماعة من كبار الأرمن.
ذكر مقتل حميضة:
ولما جرى من حميضة ما تقدم ذكره، واستمر وصول العساكر من الديار المصرية إلى مكة لحفظها من المذكور رأى المذكور عجزه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فعزم على الحضور إلى مقدم العسكر المقيم بمكة، وهو الأمير ركن الدين بيبرس أمير أخور، ودخوله في الطاعة، وكان قد هرب من بعض المماليك السلطانية من منى، لما حج السلطان، ثلاثة مماليك، يقال لأحدهم أيدغدي والتجأوا إلى حميضة في برية الحجاز، فآواهم وأكرم مثواهم، فلما عزم حميضة على الحضور إلى الطاعة، اتفقوا على قتله واغتياله، وكان حميضة قد نزل على القرب من وادي نخلة، فلما كان وقت القيلولة، ذهب إلى تحت شجرة ونام، فقتله أيدغدي المذكور بالسيف، وقطع رأس حميضة وأحضره إلى مقدم العسكر بمكة، فحمل إلى جن يدي السلطان بالديار المصرية، وكفى الله شر حميضة المذكور ولقاه عاقبة بغيه.
وكان حميضة المذكور قد ذبح أخاه أبا الغيث فاقتص الله منه، وكان مقتله في يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، الموافق للرابع والعشرين من تموز، بالقرب من وادي نخلة.
وفيها تصدق السلطان على ولدي محمد، وأرسل له تشريفاً، أطلس أحمر بطرز زركش، وقندس، وتحتاني أطلس أصفر، وشربوش مزركش، ومكلل باللؤلؤ، وأمر له بأمرية وستين فارساً لخدمته طبلخاناه، فركب محمد بالتشريف المذكور بحماة، يوم الاثنين الخامس من رجب الموافق لحادي عشر آب، وكان عمره حينئذ نحو تسع سنين.
وفيها حج المقر السيفي أرغون الدوادار، وكان السلطان قد عفى عن رميثة وأفرج عنه، وأرسله صحبة المقر السيفي إلى مكة، ورسم لرميثة المذكور بنصف متحصل مكة، ويكون النصف الآخر لعطيفة أخيه، فسافر المقر السيفي وقرر رميثة بمكة حسبما رسم به السلطان.
وفيها في يوم الاثنين، تاسع ذي الحجة وصل المجد إسماعيل السلامي رسولاً من جهة أبي سعيد، ملك التتر، ومن جهة جوبان، وعلى شاه، بهدايا جليلة، وتحف ومماليك وجواري، مما يقارب قيمته خمسين تماناً، والتمان هو البدرة، وهي عشرة آلاف درهم، وسار بذلك إلى السلطان.
وفيها في شوال، الموافق لتشرين الثاني، شرعت في عمارة القبة، وعمل المربع والحمام، على ساقية نخيلة بظاهر حماة، وفرغت العمارة في المحرم من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وجاء ذلك من أنزه الأماكن.
وفيها أو في أواخر سنة تسع عشرة وسبعمائة، جرى بين الفرنج الجنويين قتال شديد، وذلك بين قبيلتين منهم، يقال لإحدى القبيلتين إسبينيا، وللأخرى دوريا، حتى قتل منهم ما ينيف عن خمسين ألف نفر، وكان إحدى القبيلتين أصحاب داخل جنوة، والأخرى أصحاب خارج البلد إسبينيا- بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وكسر الباء الموحدة من تحتها وسكون الياء المثناة من تحتها وكسر النون وفتح ياء مثناة من تحتها. وفي آخرها ألف مقصورة- ودويار- بضم الدال المهملة وسكون الواو وكسر الراء المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها وفي آخرها ألف والله أعلم.

.ما وقع من أحداث سنة إحدى وعشرين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة:
فيها في مستهل جمادى الأولى توفيت بحماة فاطمة خاتون بنت الملك المنصور صاحب حماة، وكانت كثيرة الإحسان.
وفيها عدى مهنا بن عيسى الفرات، وتوجه إلى أبي سعيد ملك التتر مستنصراً به على المسلمين، وأخذ معه تقدمة برسم التتر، سبعمائة بعير وسبعين فرساً وعدة من الفهود.
وفيها حضر رسول تمرتاش بن جوبان المستولي على بلاد الروم، بتقدمة إلى الأبواب الشريفة بديار مصر.
وفيها ورد مرسوم السلطان على مؤلف الأصل، يأمره الحضور ليسير معه في صيوده، قال أفسرت من حماة على البريد، وسبقت تقدمتي وحضرت لدى المواقف الشريفة، وهو نازل بالقرب من قليوب فبالغ في إدرار الصدقات علي.
وفيها رحل السلطان من الأهرام، وسار في البرية متصيداً حتى وصل إلى الحمامات وهي غربي الإسكندرية على مقدار يومين، ثم عاد إلى القاهرة.
وفيها دخل تمرتاش المذكور بعسكره إلى بلاد سيس، وأغار وقتل؛ فهرب صاحب سيس إلى قلعة إياس التي في البحر، وأقام تمرتاش ينهب ويخرب نحو شهر، ثم عاد إلى بلاد الروم.
وفيها عاد مؤلف الأصل من الخدمة الشريفة إلى حماة. وفيها توجه نائب الشام تنكز إلى الحجاز الشريف، وكان قد توجه من الديار المصرية الأدر السلطانية إلى الحج بتجمل وعظمة لم يعهد مثلها.
ذكر وفاة صاحب اليمن:
وفيها ليلة الثلاثاء في ذي الحجة، توفي بمرض ذات الجنب بتعز، الملك لمؤيد هزبر الدين داود بن المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول، فاتفق أرباب الدولة وأقاموا ولده علي، ولقب الملك المجاهد بسيف الإسلام بن داود المذكور، وهو إذ ذاك أول ما قد بلغ، ثم خرج عليه عمه الملك المنصور أيوب، ولقبه زين الدين، أخو عاود، في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، فملك اليمن واعتقل ابن أخيه سيف الإسلام، وقعد المنصور في مملكة اليمن دون ثلاثة أشهر، ثم هجم جماعة من العسكر وأخرجوا سيف الإسلام وأعادوه إلى ملك اليمن، واعتقلوا عمه المنصور أيوب، وبقي أمر مملكة اليمن مضطرباً غير منتظم الأحوال.

.ما وقع من أحداث سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة:
فيها وصل الأمير فضل بن عيسى صحبة الأدر السلطانية من الحجاز، داخلاً عليهم مستشفعاً بهم، فرضي عنه السلطان وأقره على إمرة العرب موضع محمد بن أبي بكر، أمير آل عيسى.
ذكر فتوح إياس:
فيها وصل بعض العساكر المصرية والشامية والساحلية، وسار صحبتهم غالب عسكر حماة إلى حلب المحروسة، وانضم إليهم عسكرها، وتقدم عليهم نائب حلب الطنبغا. وأتموا السير حتى نازلوا إياس من بلاد سيس، وحاصروها وملكوها بالسيف، وعصت عليهم القلعة التي في البحر، فأقاموا عليها منجنيقاً عظيماً، وركب المسلمون إليها طريقين في البحر؛ إلى أن قاربوا القلعة، فهربت الأرمن منها، وأخلوها ولاقوا في القلعة ناراً، وملك المسلمون القلعة نهار الأحد الحادي والعشرين من ربيع الآخر، وهدموا ما قدروا على هدمه، وعاد كل عسكر إلى بلده.
وفيها توجه أتامش الناصري رسولاً إلى أبي سعيد ملك التتر، وعاد إلى القاهرة بانتظام الأمر واتفاق الكلمة.
وفيها وصل مؤلف الأصل تغمده الله برحمته، إلى خدمة السلطان، قال أوسرت في خدمة السلطان، إلى الأهرام، وحضر هناك رسول صاحب برشلونة وهو أحد ملوك الفرنج بجهات الأندلس، فقبل السلطان هديتهم وأنعم عليه أضعاف ذلك، ثم رحل من الأهرام وتوجه إلى الصعيد الأعلى وأنا معه، إلى أن وصلنا دندرة، وهي عن قوص مسيرة يوم، وعدنا إلى القاهرة.

.ما وقع من أحداث سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة:
فيها عاد الملك المؤيد إلى حماة من خدمة السلطان؛ بعد أن غمره بالأنعام والعطايا.
ذكر السنة الحمراء:
فيها جدبت الأرض بالشام، من دمشق إلى حلب، وانحبس القطر، ولم ينبت شيء من الزراعات إلا القليل النادر، واستسقى الناس في هذه البلاد، فلم يسقوا، وأما السواحل التي من طرابلس إلى اللاذقية وجبل اللكام، فإن الأمطار مازالت تقع في هذه النواحي فاستوت زراعاتهم.
وفيها مات قاضي القضاة الشافعي بدمشق المعروف بابن صقر وهو نجم الدين أحمد، وولى مكانه جمال الدين المعروف بالزرعي. وفيها عزل السلطان كريم الدين بن عبد الكريم عن منصبه، واستعاد منه ما كان عنده من الأموال، وأرسله إلى الشوبك، فأقام بها، وولى مكانه أمين الملك عبد الله. وفيها رسم السلطان لمؤلف الأصل أن لا يرسل قوده، نظراً في حاله، بسبب محل البلاد، فأرسلت عدة يسيرة من الخيل التي كنت حصلتها، فتصدق علي بتشريف كامل على عادتي، وستين قطعة إسكندري، وخمسين ألف درهم، وألف مكوك حنطة. وفيهما حضرت رسل أبي سعيد ملك التتر، ورسل نائبه جوبان، وتوجهوا إلى الأبواب الشريفة بالقاهرة، ثم عادوا إلى بلادهم.
وفيها وصلت الملكة بنت أبغا؛ واسمها قطلو؛ وفي خدمتها عدة كثيرة من التتر، وتوجهت إلى الحج ورسم السلطان ورتب لها في الطرقات الإقامات الوافرة.

.ما وقع من أحداث سنة أربع وعشرين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة أربع وعشرين وسبعمائة:
فيها تقدم السلطان بإبطال المكوس والضرائب عن سائر أصناف الغلة بجميع الشام فأبطل، وكان ذلك جملة تخرج عن الإحصاء.
ذكر المتجددات في بلاد الروم:
كان ببلاد الروم تمرتاش بن جوبان، فاستولى عليها، واستكثر من المماليك، قطع ما كان يحمل منها إلى الأردو والخواتين، وصار كلما جاءه رسول لطلب المال يهينه، ويعيده بغير زبدة، فلما كثر ذلك منه، سار إليه أبوه جوبان، فعزم تمرتاش على شال أبيه، واتفق في عسكره ومماليكه، فلما قرب جوبان منه، فارقه عسكره وصاروا مع جوبان، فلما رأى تمرتاش ذلك، حضر مستسلماً إلى أبيه جوبان، فتقدم جوبان بإمساكه وأخذه معه معتقلاً إلى الأردو، وذلك بعد أن أقام ببلاد الروم شخصاً من التتر موضع تمرتاش.
ذكر المتجددات باليمن:
في هذه السنة، لم يبق، في يد الملك المجاهد علي بن داود غير حصن تعز، خرج باقي ملك اليمن عنه، وصار بيد ابن عمه صاحب الدملوة، وتلقب بالملك الظاهر. وفيها نزل الأمير مهنا ابن عيسى بظاهر سلمية من بلاد حمص، عند تل أعدا، وكان له ما يزيد عن عشر سنين لم ينزل بأهله هناك، وكان الأمر والنهي إليه في العرب، وخبز الإمرة لأخيه فضل بن عيسى.
وفيها ورد مرسوم السلطان إلى صاحب حماة بالمسير إلى خدمته، فسار وأخذ معه ولده محمداً وأهله، قال أوحضرت بين يدي السلطان بقلعة الجبل مستهل الحجة، فبالغ في أنواع الصدقات علي، وعلى من كان معي، وعلى ولدي، ووصل وأنا هناك رسل أبي سعيد ملك التتر، ويقال لكبيرهم طوغان، وهو من جهة، أبي سعبد، والذي من بعده حمزة وهو من جهة جوبان، وصحبتهما الطواشي ريحان خزندار أبي سعيد، وكان مسلماً ما كان صحبتهم من الهدايا، وحضر المذكورون بين. يدي السلطان بقلعة الجبل، وكان يوماً مشهوراً لبس فيه جميع الأمراء والمقدمون، لمماليك السلطانية وغيرهم الكلوتات المزركشات، والطرز الذهب، ولم يبق من لم يلبس ذلك غير الملك الناصر، وأحضر المذكورون التقدمة، وأنا حاضر، وهي ثلاثة أكاديش بثلاثة سروج ذهب مصري مرصعة بأنواع الجواهر، وثلاث حوائص ذهب مجوهرة وسيف، وجميعها بطرز زركش ذهب، وشاشاً فيه قبضات عدة زركش ذهب، وإحدى عشر بختياً مزينة، أحمالها صناديق، ملؤها قماش من معمول تلك البلاد، وعدتها سبعمائة شقة قد نقش عليها ألقاب السلطان، فقبل ذلك منهم وغمر الرسل بأنواع التشاريف والأنعام.
وكان عيد الأضحى بعد ذلك بيومين، واحتفل السلطان للعيد احتفالاً عظيماً يطول شرحه، وأقام رسل التتر ينظرون إلى ذلك، ثم أحضرهم وخلع عليهم نائباً وأوصلهم مناطق من الذهب، ومبالغاً تزيد على مائة ألف درهم، وأمرهم بالعود إلى بلادهم، ثم بعد ذلك عبر السلطان النيل ونزل بالجيزة، ثالث عشر الحجة، وكان قد طلع النيل وزاد على ثمانية عشر ذراعاً، ووصل إلى قريب الذراع التاسع عشر، وطال مكثه على البلاد، فأقام بالجيزة حتى جفت البلاد لأجل الصيد، ثم رحل وسار إلى الصيد وأنا بين يديه الشريفتين.
وفيها مات علي شاه وزير ملك التتر، وكان المذكور قد بلغ منزلاً عظيماً من أبي سعيد وغيره، وأنشأ بتبريز الجامع الذي لم يعهد مثله، ومات قبل إتمامه، وهو الذي نسج المودة بين الإسلام والتتر رحمه الله تعالى.